امدرمان انترنت
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
امدرمان انترنت

مركز ثقافي وسياسي وإعلامي سوداني


أهلا وسهلا بك زائرنا الكريم, أنت لم تقم بتسجيل الدخول بعد! يشرفنا أن تقوم بالدخول أو التسجيل إذا رغبت بالمشاركة في المنتدى

عرض لكتاب الدكتور عبدالله جلاب: الجمهورية الاسلاموية الاولى : نشأة و تدهور الاسلاموية في السودان

اذهب الى الأسفل  رسالة [صفحة 1 من اصل 1]

كتابات




عرض لكتاب الدكتور عبدالله جلاب:
الجمهورية الاسلاموية الاولى : نشأة و تدهور الاسلاموية في السودان
صدر عن دار آشقيت في 2007

بقلم د. عبدالله علي ابراهيم

عرَّبها عن الإنجليزية: محمد عبد الله عجيمي
اذكر انني قرأت في ستينيات القرن الماضي لرجل حكيم قال إننا نظل نقوم بالثورات الفاشله بسبب الكتب الرديئة التي نقرؤها عن الثورة والعصيان . وفي الذكرى العشرين الوشيكة لما يسميه عبدالله جلاب " الجمهورية الاسلاموية " ( 1989- ) ( في مختلف مراحلها ) في السودان , التي تنبأ اعداؤها المتعجلون بسقوطها ذائبة تحت وطأة اول خريف لها في السلطة ، يجد المرء نفسه ميالا لأن يعزو تماسكها وبقاءها للكتب السيئة الكثيرة التي كتبت عنها . كانت هذه الكتب ، في جانب كبير منها ، تأبينا سابقا لأوانه لحركة ودولة ترفضان ان تموتا .
لقد كتب جلاب كتابا مختلفا عن عناد تلك الدولة الاسلامويه وتصميمها على البقاء . وهو يحاول في كتابه ان يفسر ديناميكية الدولة اكثر مما يحاول الحكم عليها . ومع ذلك فقد اعجبت بالادوات التي استخدمها في سرد الحكاية بأكثر من البحث الشديد الموثوقية الذي انتهى الى كتابته . وعلى خلاف الباحثين الآخرين في شأن هذه الدولة ، الذين يتعاملون معها وكأنها أمر شاذ عن القاعدة يصلح للادانة لا التفكر فيه على هدي نظري ، فان جلاب يروي قصتها وكأن النظريه الغربيه امر لا مندوحة عنه لفهم هذه المؤسسة شبه المنبوذة والتعامل معها . انه يطوح بشبكته بعيدا باحثا عن مرفإ لها (وعرضنا المفاهيم الغربية العديدة التي استعان بها جلاب لفهم دولة الترابي الإسلاموية. ولن نثقل على قاريء الصحيفة السيارة بها وسيجدها القاريء المستزيد في النص الإنجليزي) . وكنت اتمنى لو ان جلاب تأمل هذه المفاهيم بعمق لاضاءة أفضل لديناميكية الدولة الاسلاموية .
يروي جلاب أيضاً قصة الدولة الاسلاموية في السودان وكأن الشيوعية في السودان ( الواقع الذي نال ، بدون جدال ، اقل حظ من الدراسة في النصف الثاني من القرن الماضي )، امر لامناص من التعرض له لفهم دولة الترابي الإسلاموية . لقد ظهرت الحركة الاسلامية وسط منافسة قاسيه لكسب قلوب وعقول السودانيين مع حزب شيوعي نشط وحيوي ذي قواعد متجذره . وكان بامكان هذه الحركه ان تتجاهل الحزب الماركسي استنادا على أنه غريب المنشأ لا خطر منه. فلو أغراها هذا التجاهل كانت ركبت مركباً مغامراً من اهمال هذا الحزب المنافس وتجرعت غصص الفشل. ان عرض جلاب المحكم البارع لثورة اكتوبر 1964 يكشف تنافسهما – الحركة الاسلاميه والحزب الشيوعي – على وجدان الناس في احدى قمم الصراع السياسي – الثقافي في السودان . المهم ان سعي الحركة الاسلامية لنشر ايديولوجيتها لتحقيق أسلمة الدولة قد بدأت في المركز وفي مواجهة طويلة صعبة مع الحزب الحزب الشيوعي والقوى المسماة "حديثة" في المدن والمناطق الحضريه الشماليه في خمسينات وستينات وجزء من سبعينات القرن الماضي . وفيما بعد هٌمِشِت هذه العمليه لأسلمة الدولة (انتقلت من المركز الى الاطراف ) . في كلمات اخرى ، طفحت الى الهامش دون تدبير مسبق . وكان الترابي ، كما يوحي بذلك جلاب ، يراقب الشيوعيين عن كثب ويتبنى اساليبهم في العمل .
فوق ذلك تناول جلاب الدولة الاسلاموية وكأن الكتابات بالعربية عنها في السودان مرجعاً لا غنى عنه. فالكتاب الذين يحملون افكارا ووجهات نظر حول التجربة الاسلاموية يحتلون موقعا متقدما في كتاب جلاب : الطيب زين العابدين ،حيدر طه ، عبدالوهاب الافندي ، التجاني عبدالقادر ، امين حسن عمر ، محمد سعيد القدال ، محمود قلندر ، حسن مكي ، عصام ميرغني ، حيدر ابراهيم ومحي الدين عبدالرحيم . وقوة حبكة قصة جلاب عن الدولة الاسلامويه الاولى تعود، في جزء كبير منها ، الى قراءاته المتنوعه هذه في أدبنا السياسي السوداني المحلي.
جلاب ، لمن لا يعرفونه ، شاعر . وشاعريته هنا كانت اداة ملائمة لايجاز قصة الدولة الاسلاموية ببلاغة . ولقد اعجبتني كثيرا طريقة تصويره لنشاط الحركة الاسلاميه خلال عهد الرئيس نميري (1978-1985 ). فقال إنها تمثلت في ثلاث هجرات : الهجرة الاولى الى " المعسكر " ( camp) اي فترة اقامة الاسلاميين مع قوات المعارضة الاخرى في ليبيا لمواجهة النظام عسكريا ، وتمثل ذلك في المحاولة الفاشلة لغزو السودان عام 1976 . الهجرة الثانية كانت الى " الحرم الجامعي " ( campus) حيث اصبح ذلك الحرم بمثابة المحرك " الموتور " للحركة الاسلاميه . الهجرة الثالثه كانت الى ما يطلق عليه جلاب " أرض الوفره " (land of plenty) . وكنت أود ، من اجل المحافظة على الايقاع ، لو أانه سماها " ارض الشركات والهيئات "( capitalism أو corporation) ، وهو المصطلح الذي لجأ لاستخدامه في النهاية ، في الاشارة الى انغماس الحركة في الرأسمالية من خلال النظام المصرفي الاسلامي الذي استحدثته .
اذا كان هناك شيئ تحثنا هذه القصة جيدة الحبكة على فعله فهو ان نعيد النظر في صورة الترابي التي درجنا عليها وهي أنه شبيه بقائد عصابة للمافيا . ان الضوء الذي يسلطه جلاب على كيفية عمل دولته لا يثبت هذه الصورة التي يلوح بها خصومه على الدوام . لقد أراد الترابي التمكن من الأمر بغير منافس ولكنه اصطدم بأعراف المهن الحاذق في البيروقراطيه والجيش والاعلام التي لم تستسلم له واعتصمت بمهنيتها الجريحة. فالترابي في وصف جلاب رجل سعى للإستئثار بالحكم والانفراد به. ولكن فال الله ولا فاله. فحتى الجهاز البيروقراطي الذي خلخله النظام حتى النخاع ، لم يستسلم بسهولة . وعمليات التطهير المتلاحقه التي تعرض لها برهنت على ان قوة المؤسسات " تكمن في نزاهتها وتجردها ومهنيتها وتضامنها الجماعي " (ص111 ) . فحتى البيروقراطيين الاسلاميين الذين تم انتقاؤهم بعناية فائقه استسلموا "لعقلنة وترشيد بيروقراطية الدولة " ، ( نائين ) بأنفسهم عن تصرفات الحزب الحاكم العدائية وتصوراته الخاطئه (143 ) . لقد انهزم الترابي على أيدي اؤلئك الاسلاميين الذين استأنستهم البيروقراطية بتوجهها الذرائعي النفعي . والمرونة التي تميزت بها هذه البيروقراطيه قد تربت على حليب التقاليد النقابية الحيه للمؤسسه . ان التقاليد السياسية في معارضة انظمة الحكم العسكرية (1964 و 1985 ) ، والتي يسميها جلاب "دين السودانيين المدني (134 ) " قد نفثت تعويذتها القاتله في النظام الاسلاموي ، رغم عناده في التشبث بالسلطة . ومع ذلك فان أكثر طول اقامة هذا النظام بيننا وغلظتها هي هدية خالصة من معارضيه الأشقياء العجولين.
الجيش بدوره ، كان كارها لاملاءات الترابي وبرما بها . وقد نجا من مشروعه الذي كان يهدف الى حله بحجة ردم الهوة بين المدنيين والعسكريين (ص 117 ) . وفي نوبة غضب وبخ الترابي الجيش على تقاعسه عن عبور الحدود الى داخل ارتريا وعلقهم علقة ساخنة لا تنسى. اما رجال الدين ، من الناحية الاخرى ، فلم يكونوا يحبونه لأنه حرمهم من تكوين مجلس للفقه يمكنهم من السيطرة على المناقشات والخوض في المسائل المتعلقة بالدين . وليس من المستغرب ان الدكتور احمد علي الامام ، مستشار الرئيس لشئون التأصيل ، قد برز كواحد من الموقعين على مذكرة العشرة ( ديسمبر 1999 ) التي كانت الاشارة الى سقوط الترابي. ولم يكن الترابي يثق حتى في البشير وهو من يزعم انه انتقاه بنفسه للرئاسة . ويصف جلاب علاقتهما بأنها " صراع على السلطة " (ص 130 ) ظل يختمر عبر السنين . ويكفي ان نذكر ان البشير قد احبط رغبة الترابي في ان يصبح نائبا له عقب حادثة الطائرة التي قتل فيها النائب السابق الزبير محمد صالح . ولقد غمر السودانيين الحزن عندما انكشفت رغائب الترابي تلك اذ ما كانوا يصدقون ان رجلا في قامته ومنزلته يمكن ان يطأطئ راسه بهذه الدرجة في دهاليز السلطة . فالترابي ليس "وحش شاشة" السياسية بلا منازع كما يصوره خصومه. لقد رعى بقيده رغماً عنه.
ومن جانب آخر فالصحافه، وهي ميدان تجربة جلاب الطويله وحقل درجته العلميه ، كانت صريحة في التعبير عن عدم ايمانها بالحكمة الرامية الى تشكيل العقول ( 144 ) واعادة صياغتها بطلب من نظام الترابي. .ومن هنا كان الكتاب والقراء السودانيون بارعين في خلق " بديلهم الاعلامي " (ص 144). فمناسبات الزواج والسهرات اصبحت تعج بالمناقشات السياسيه ، وبذلك انكسر حاجز ثقافة الخوف . واضافة الى ذلك جاءت العولمه لتوفر للناس بدائل فتحولوا الى قنوات تلفزة ومحطات راديو اخرى ليس بحثا عن الاخبار فقط بل من اجل الترفيه ايضا . هذا العزوف عن اجهزة الدولة الاعلامية نابع من تقليد قديم في استقاء الاخبار من "هنا لندن " ، اذاعة الببسي ، كمصدر موثوق به .
الصحافة المكتوبه، التي يقول جلاب انها لم تستسلم للنظام ، نجت من هجمة نظام الترابي اما بالصدور من خارج البلاد او بفتح صفحاتها لصحفيين متمرسين برعوا في استخدام هامش الحرية المتاح ، مهما كان ضيقا وغير ثابت ، لخدمة قضية الحرية . ونجحت الضغوط من اجل صحافة مكتوبة مستقله فسمح بها النظام في اواخر تسعينات القرن الماضي . وانفتح عش الدبابير مجرد ما أعاد هؤلاء الكتاب المشغولون بالشأن العام فتح الحوار الوطني حول مستقبل البلاد والذي انقطع بسبب انقلاب 1989 .ويستنتج جلاب ،وهو على صواب ، ان دولة الترابي الاسلاموية الاولى لم تفشل فقط في تشكيل عقول ومفاهيم الناس بل انها تحللت وماتت موتا بطيئا بفضل هؤلاء الصحفيين الذين لم يهابوا قول الحقيقة للسلطة على صفحات صحفهم التي استردت حريتها واستقلالها . ان فكرة المعارضة والانشقاق في صفوف الحركة الاسلامية نفسها قد ترعرعت بفضل هذه المنافذ التي اٌستعيدت . وينحني جلاب اجلالا لدور الصحافة المكتوبة التي تستحق "من موجبات الثناء فوق ما يعرف اكثر الناس " ( ص 147 ) .
يصف جلاب دولة ما بعد الترابي- وهو محق في وصفه – بأنها " اشبه بدولة النميري العسكريه " ( 131 ). ولا جديد في هذا. فقد كان هذا طابع دولة الترابي أيضاً. ولكن الترابي وناقديه وحدهم الذين لم يروا ذلك لتركيزهم على دينية الدولة لا ديكتاتوريتها. وبابعاد الترابي عن السلطه لم تفعل الدولة سوى ان نضت عنها ايديولوجية فقدت سوقها السياسيه : الاسلام . والعسكريون تحت حكم نميرى فعلوا نفس الشئ بالنسبة للاشتراكيه ، تماما كما قال ملي روبرت عن الجزائر : " اذا كانت الامم لديها جيوش فجيش السودان لديه امه " . ان نصف قرن من ممارسة السياسة بوسائل اخرى جعل العسكريين يتمترسون في السلطة حتى اصبح الضباط رجال دولة اكثر منهم مقاتلين . لقد كانوا كرجال دولة (لا عقائد) في فورة "تبضع " بحثا عن ايديولوجيات تصلح كي يموت من اجلها الجنود طالما ان النازع الوطني المجرد لم يعد يلهم أو يحرك الكوامن. والايديولوجية التي عثروا ، سواء في ذلك اشتراكية نميري أو إسلامية البشير، هي " سكرة السلطه " . واذا ما اشتد الضغط على هؤلاء العسكريين ليختاروا السلطة أو سكرتها ا فانهم سيختارون السلطة ويتخلون عن السكرة اي الإيدلوجية. وهذا أصل في تجنب النظام الراهن الخوض الكثير في إسلامية الدولة.
انني اتعاطف مع جلاب تماما في اشارته الى مأزق الاسلام الذي نتج عن زعيق الدولة الاسلاموية الاولى وغضبها الضاري . وما كان السقوط الوشيك للاسلاميين الممسكين بالسلطه وقتها ، ولا احلام معارضيهم بابعادهم عنها ، حسب قول جلاب ، " قد الهم تحليلا متعمقا لدور الاسلام في موت الجمهورية الاولى ". التفكير المتعمق لم يكن في يوم من الايام ميزة لمنتقدي الترابي . ولقد غادر الرجل المبنى وتركنا مع ما اطلقت عليه مرة اسم " اسلام ما بعد الترابي ". ولا احد منا يبدو قد استعد لفهمه أو منازلته.

الرجوع الى أعلى الصفحة  رسالة [صفحة 1 من اصل 1]

مواضيع مماثلة

-

صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى