امدرمان انترنت
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
امدرمان انترنت

مركز ثقافي وسياسي وإعلامي سوداني


أهلا وسهلا بك زائرنا الكريم, أنت لم تقم بتسجيل الدخول بعد! يشرفنا أن تقوم بالدخول أو التسجيل إذا رغبت بالمشاركة في المنتدى

د. أحمد إبراهيم أبوشوك:التعليم العالي في السودان: الثورة والواقع؟"ثورة التعليم دفعت بطلاب قليلي الفائدة"

اذهب الى الأسفل  رسالة [صفحة 1 من اصل 1]

كتابات



التعليم العالي في السودان: الثورة والواقع؟
"ثورة التعليم دفعت بطلاب قليلي الفائدة"
"الخريج السوداني غير قابل للتوظيف في الداخل أو الخارج"
د. أحمد إبراهيم أبوشوك
ahmedabushouk62@hotmail.com
يرتبط تطوّر المجتمعات الحديثة وتقدمها ارتباطاً وثيقاً بأداء مؤسسات التعليم العام والعالي لوظائفها العلمية والأكاديمية، وتمثل الجامعات حلقة الوصل بين التعليم العام والمجتمع، لأنها تؤثر تأثيراً مباشراً في قيم الحياة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، بما تحدثه من تغييرات جوهرية في علاقات التفاعل الاقتصادي، وصياغة أنماط الاجتماع البشري، والتنظير لنظم الحكم والإدارة. وبهذه الكيفية نلحظ أن الجامعات تشكل أحد العوامل المؤثرة في حركة العمران، نسبة لحساسية دورها الوظيفي الكائن في تطوير أداء العنصر البشري في مجال الصناعة، والزراعة، والطب، والهندسة، ونظم الإدارة، والمعلومات، والاتصالات المعرفية المرتبطة بتقنيات الثورة التكنولوجية المعاصرة. فالعلاقة بين تطور المجتمع ومؤسسات التعليم العالي علاقة تلازمية، لأن الجامعات تسهم في تأهيل المجتمعات المختلفة لامتلاك الشروط الموضوعية لتحقيق التقدم العلمي، والنمو الاقتصادي، والرقي الثقافي، والازدهار الحضاري، وتفسح المجال لتحقيق التنمية الشاملة والمستدامة، التي يجب أن تؤسس مفرداتها على شبكة من العلاقات التبادلية القائمة بين دواوين الحكومية ومؤسسات المجتمع المدني.
إذا كانت هذه التوطئة تمثل الثوابت التي ترتكز عليها فلسفة التعليم العالي في أية دولة متقدمة أو دولة تنشد التقدم والازدهار فما موقف سدنة العقل الاستراتيجي في السودان من تصريح السيد وزير التعليم العالي والبحث العلمي، الدكتور بيتر أدوك؟ الذي نشرته صحيفة الرأي العام في عددها رقم 22481 الصادر في 20 أكتوبر 2008م، والذي يقضي بأن "ثورة التعليم دفعت بطلاب قليلي الفائدة"، وأن الخريج السوداني "غير قابل للتوظيف في الداخل أو الخارج". ويبدو أن السيد الوزير محقٌ فيما ذهب إليه، لأنه أسس هذه النتائج على حزمة من المعطيات التي تعكس طرفاً من الواقع المائل في السودان، وتتجلى في قوله: "إن بعض الجامعات تفتقر إلى مقار خاصة بها،... كثير منها لا يملك قاعات، ومكتبات، ومعامل مناسبة، وأماكن سكن لطلابها، بجانب عدم وجود أعضاء هيئة تدريس بالقدر الكافي". وأخيراً، وصف السيد الوزير الوضع في مجملة بالوضع "المزري"، لأن حصيلته تصب في "تخريج مجموعة من الطلاب بدرجات علمية قليلة الفائدة، ومشكوك في قيمتها الأكاديمية"، وبناءً على هذه الحيثيات يرى الدكتور بيتر أدوك "ضرورة تحويل المؤسسات الناتجة عن التوسع الأفقي إلى تعليم عال نوعي يتسم بالتميز والملاءمة."(نقلاً عن صحيفة الرأي العام).
ويبدو أن السيد الوزير انطلق من واقع يقضي بأن ثورة التعليم العالي لم تأت بالنقلة النوعية التي تؤهلها لحل المشكلات التي يواجهها السودان، والتحديات التي فرضتها عليه قيم العولمة ومعطياتها المصاحبة. ويقود تصريح السيد الوزير القارئ العادي إلى القول بأن العجز كامن في بنية التعليم العالي في السودان، لأنها تعاني في سوء التخطيط الاستراتيجي، وعدم القدرة على تصميم المناهج الدراسية وفق رؤية حضارية منفتحة ومستوعبة لضرورات العصر ولمتطلبات التغيير، فضلاً عن عدم توفر الموارد المالية اللازم والكفاءات العلمية المقتدرة التي تتولي مهمة التعليم الجامعي.
والغريب في الأمر أن هذا التصريح الخطيرلم يثر اهتمام نواب المجلس الوطني الذين يتفاعلون مع ببعض القضايا السياسية التي لا ترقى إلى أهمية واقع التعليم العالي ومستقبل الأجيال الصاعدة، وأن صحف الخرطوم السيارة وثقت له باعتباره شأن عابر ولا يمت للقضايا الاستراتيجية بأية صلة، ولا يؤثر على واقع منقو زامبيري في الجنوب، وفقيري في الشمال، وأدروب في الشرق، ودوسة في الغرب، وهجو وأبوسن في الوسط. لكن القضية من وجهة نظري المتواضعة أكبر من ذلك بكثير، فيجب أن يؤخذ تصريح السيد وزير التعليم العالي والبحث العلمي، الدكتور بيتر أدوك، مأخذ الجد، ويُدرس دراسةً موضوعيةً بعيدةً عن التشنجات الحزبية، لأن قضية التعليم بشقيه العام والعالي قضية قومية، لا تهم نشاطي الأحزاب السياسية وحدهم، بل كل أهل السودان باختلاف توجهاتهم السياسية، فيجب أن يكون تداولها تداولاً موضوعياً يأتي بنتائج إيجابية تصب في إطار مصلحة السودان وأهل السودان. وليكون النقاش نقاشاً هادفاً ومنصباً تجاه الإشكاليات التي أثارها السيد الوزير، دعوني اصطحب هاتين القضيتين المهمتين في مناقشة واقع التعليم العالي في السودان.
تتبلور القضية الأولى في لفت انتباه العاملين في حقل التعليم العالي بأن مركز الاعتماد القومي في المملكة المتحدة (UK NARIC) قد صنف الدرجات العلمية الصادرة من الجامعات السودانية بعد عام 1992م، تصنيفاً غير مجزي من الناحية النظرية، لأن درجة البكالوريوس الصادرة من الجامعات السودانية قد قُلصت إلى مستوى الدبلوم العالي مقارنة بالجامعات البريطانية، ودرجة الماجستير إلى درجة البكالوريوس، ودرجة الدكتوراه إلى درجة الماجستير. فلا شك أن هذا التوجه له انعكاساته السالبة على قبول خريجي الجامعات السودانية في الجامعات التي تأخذ بنظام التقويم والاعتماد البريطاني للشهادات الجامعية. وقد أستند هذا التقويم البريطاني إلى بعض القضايا التي أثارها الدكتور بيتر أدوك، والمتمثلة في عدم وجود المقار المناسبة لبعض الجامعات في السودان، والخدمات التعليمية المصاحبة لها (المعامل والمكتبات وقاعات الدرس)، فضلاً عن عدم وجود أعضاء هيئات تدريس بالقدر الكافي، وأبحاث علمية منشورة في دوريات عالمية متعرف بها (المصدر: https://www.naric.org.uk). ومن هذه الزاوية يستحسن أن ينظر القائمين على أمر التعليم العالي في السوداني إلى هذه القضايا بعين الاعتبار، لأنها في جوهرها لا ترتبط بالعطاء الكمي الذي حققته "ثورة التعليم"، علماً بأن الكم المنبسط إذا أُسس على رمال كيف متحركة، فإن عائدات مخرجاته البشرية ستكون عائدات ضامرة لا تستوفي متطلبات سوق العمل. وعندما هذا المنعطف تسقط فلسفة التعليم العالي القائمة على ربط مؤسسات التعاليم العالي بحركة المجتمع وأسواق العمل التي تستقبل مخرجاتها البشرية، بحسبانها نخباً معرفيةً متقدمةً، ولديها القدرة الأكاديمية والعملية التي تؤهلها لتطوير واقع العمل المهني والفني في المجتمع السودان بمتوالية هندسية.
وترتبط القضية الثانية بترتيب الجامعات السودانية في قائمة التقويم العالمي للجامعات لعام 2008م، حيث حصلت جامعة الخرطوم على المرتبة (41) في قائمة الجامعات الإفريقية، والمرتبة (51) في قائمة الجامعات العربية، وعلى المستوى العالمي حصلت على المرتبة (6213)، وتليها في الترتيب جامعة السودان للعلوم والتكنولوجيا التي حصلت على المرتبة (57) في قائمة الجامعات الإفريقية، والمرتبة (68) في قائمة الجامعات العربية، وعلى المستوى العالمي حصلت على المرتبة (7198). أما بقية الجامعات السودانية والبالغ عددها 26 جامعة لم تكن ضمن المئة الأولى من الجامعات الإفريقية أو العربية، ولا ضمن العشرة ألف جامعة الأولى في العالم (المصدر: World Universities' Ranking: http://www.webometrics.info). ولا توجد أية جامعة سودانية ضمن 500 جامعة الأولى في تقويم التايمز العالمي. فلا جدال أن هذا التقويم يعطى إشارات سالبة، تؤكد تدني مستويات التعليم العالي في السودان، علماً بأن جامعة الخرطوم كانت حتى منتصف الثمانينيات في قائمة أحسن عشر جامعات في العالم العربي وإفريقيا.
وخلاصة الأمر أن أصلاح هذا الواقع يكمن في ضرورة تعزيز الحرية الأكاديمية في الجامعات السودانية، وتحديث نظمها الإدارية، ومدها بكفاءات مهنية مدربة، وترسيخ الشفافية في إجراءات التعيينات والترقيات، وإصلاح مقارها الحالية والخدمات المصاحبة لها، وتوفير الدعم المالي اللازم للبحث العلمي والطلبة النابهين. ويتبع هذه الخطوات الإجرائية ترقية أكاديمية في تصميم المناهج الدراسية، ترافقها إدارة جودة شاملة ومستدامة، يراعي في تطبيقها مرتكزات الهوية السودانية والمعايير القياسية المستخدمة على الصعيد الدولي في ضبط الجودة الخدمية وتجويد العطاء المهني ومخرجاته البشرية في الجامعات. وحسب وجهة نظري أن الهيئة العليا للتقويم والاعتماد التي أُسست تحت مظلة وزارة التعليم العالي والبحث العلمي عام 2003م، قادرة على القيام بهذا الدور، إذا تمَّ تزودها بطاقم من الخبرات الأكاديمية المؤهلة، ومُنحت الهيئة تفويضاً شاملاً لتنظر في قضايا التعليم العالي وكيفية إصلاح مؤسساتها وفق مواصفات عالمية، شريطة أن يسمح لها بأن تؤدي هذا الدور بحرية كاملة دون أن تكون متأثرة بإسقاطات الفعل السياسي ومماحكاته السالبة، التي جعلت عطاء الهيئة العليا للتقويم والاعتماد في السنوات الماضية لا يلامس أطراف المهمة التي أوكلت إليها، والأهداف التي حددها أمرها تأسيسها.

الرجوع الى أعلى الصفحة  رسالة [صفحة 1 من اصل 1]

مواضيع مماثلة

-

صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى